بصرف النظر عن انفلونزا الخنازير ودون كثير بحث في الأسباب وراء تحريم تناول لحوم الخنازير، تعاف نفوس الملايين من المسلمين في أنحاء العالم تناول هذا النوع من اللحوم وحتى الأطعمة والأطباق التي يدخل في صناعتها ولو بشكل ضئيل.
ومن النادر وربما المستحيل في بعض الدول العربية والاسلامية الحصول على طبق من لحم الخنزير حيث أدى توارث هذه العادة بين المسلمين من جيل لآخر الى انعدام المزارع الخاصة بتربية الخنازير وعدم وجود حاجة لاستيرادها من دول أخرى.
لكن باحثا أمريكيا مسلما خرج على عامة المسلمين مؤخراً ليحذرهم من أنه على خلاف ما يعتقدون فان الخنازير ترتع في أحشائهم وجنبات بيوتهم بسبب الأطعمة التي يتناولونها والمستحضرات التي يستخدمونها وتحتوي مكوناتها على دهون الخنازير تحديداً ولكن بأسماء كيميائية مركبة يصعب عليهم فهمها.
ويبدو أن ما وقع عليه الدكتور أمجد خان خلال سنوات عمله في معهد البحوث الطبية بالولايات المتحدة الأمريكية كان مهولاً لدرجة اضطرته الى أن يكتب رسائل لعموم المسلمين حول حقيقة الأطعمة والمستحضرات التي لا يخطر ببالهم أن من مكوناتها دهون الخنازير، محاولاً بذلك اخراج الحقائق العلمية التي يعرفها من دائرة الأبحاث والمختبرات الى كل من يهمه الأمر من مسلمين ونباتيين.
وتسلمت 'القدس العربي' نسخةً من هذه الرسائل التي حاول فيها الدكتور خان استقصاء الطريق الذي وجدت منه دهون الخنازير المنفذ الى أطعمة ومستحضرات تعج بها أسواق المسلمين فيقبلون عليها دون أن يخطر ببالهم للحظة أن أحد مكوناتها هو أشد ما يكرهون.
ويقول خان في رسالته ان المسألة برمتها بدأت عندما حاولت الدول الغربية التي تنتشر فيها مزارع الخنازير بكثرة التخلص من دهون هذه الحيوانات التي تزيد عن حاجتهم من الاستخدام وتهدد مصالحهم الصحية. وفي حين كانت الوسيلة الأبرز في التخلص من دهون الخنازير تتم حتى قبل ستين سنة فقط من خلال الحرق، ظهرت امكانات للتخلص منها دون اهدار فرصة الاستفادة منها فكان أن تم استخدامها وتسويقها في صناعة الحساء التجاري التي كانت تتنامى في ذلك الوقت. ولما كان فائض الدهون يزيد عن حاجة سوق الحساء فقد جرى العمل على معالجتها كيميائياً وتسويقها لأغراض شتى، ومع ظهور قوانين صحية تقتضي ادراج مكونات كل مستحضر أو منتج عضوي فقد كان مطلوباً من أصحاب الصناعات الكشف عن دهون الخنازير اذا ما تواجدت ضمن قائمة المكونات، الأمر الذي لم يكن يشكل أي مشكلة بالنسبة للمستهلكين في الغرب ولكن في الدول الاسلامية التي يتم تصدير هذه المنتجات اليها.
ويلفت خان الى أن دهون الخنازير كانت أحد أسباب الحروب الأهلية في جنوب شرق آسيا مثلاً حيث كان الجنود والمتحاربون المسلمون يمتنعون عن ازالة الطبقة المصنعة من دهن الخنزير عن حبات الرصاص بأسنانهم كما كان الأمر يقتضي. ولم تكن هذه الطبقة لتوضع لولا تعرض الأسلحة والرصاص المجلوب من أوروبا الى الفساد بسبب الرطوبة خلال مرحلة نقله الى شبه القارة الهندية عبر البحر.
ويواصل قائلاً ان الأمر ازداد الحاحاً عندما امتنعت الدول الاسلامية عن استيراد الأطعمة ذات المكونات المشتقة من الخنازير ما دعا الدول الغربية الى استبدال مكون 'دهون الخنازير' بـ 'دهون الحيوانات' والرد على استفسارات البعض عن ماهية هذه الحيوانات بالقول انها أبقار ونعاج، الأمر الذي لم يلق الرضا أيضاً في صفوف المسلمين حيث ذبح هذه الحيوانات لا يكون على الطريقة الاسلامية.
ومع الكساد التجاري الكبير الذي لحق بالصناعات التي تعتمد على دهون الخنازير في منتجاتها، لجأت شركات التصنيع الى اعتماد لغة مشفرة من أسماء كيميائية معقدة لا يفهمها الا الجهات الرقابية التي تطالبها بالكشف عن مكونات منتجاتها أما عموم الناس فلا يمكنهم ذلك.
ويقول خان ان هذه الأسماء المشفرة يمكن ايجادها بسهولة في منتجات مثل: معجون الأسنان، معجون الحلاقة، اللبان، الشيكولاتة، والحلوى، والبسكويت، والأطعمة المعلبة، ومعلبات الفواكه وبعض حبوب الفيتامينات.